Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة التوبة - الآية 123

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) (التوبة) mp3
أَمَرَ اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا الْكُفَّار أَوَّلًا فَأَوَّلًا الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَى حَوْزَة الْإِسْلَام وَلِهَذَا بَدَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي جَزِيرَة الْعَرَب فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ وَفَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ مَكَّة وَالْمَدِينَة وَالطَّائِف وَالْيَمَن وَالْيَمَامَة وَهَجَر وَخَيْبَر وَحَضْرَمَوْت وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَقَالِيم جَزِيرَة الْعَرَب وَدَخَلَ النَّاس مِنْ سَائِر أَحْيَاء الْعَرَب فِي دِين اللَّه أَفْوَاجًا شَرَعَ فِي قِتَال أَهْل الْكِتَاب فَتَجَهَّزَ لِغَزْوِ الرُّوم الَّذِينَ هُمْ أَقْرَب النَّاس إِلَى جَزِيرَة الْعَرَب وَأَوْلَى النَّاس بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَام لِأَنَّهُمْ أَهْل الْكِتَاب فَبَلَغَ تَبُوك ثُمَّ رَجَعَ لِأَجْلِ جَهْد النَّاس وَجَدْب الْبِلَاد وَضِيق الْحَال وَذَلِكَ سَنَة تِسْع مِنْ هِجْرَته عَلَيْهِ السَّلَام . ثُمَّ اِشْتَغَلَ فِي السَّنَة الْعَاشِرَة بِحَجَّةِ الْوَدَاع ثُمَّ عَاجَلَتْهُ الْمَنِيَّة صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ بَعْد حَجَّته بِأَحَدٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا فَاخْتَارَهُ اللَّه لِمَا عِنْده وَقَامَ بِالْأَمْرِ بَعْده وَزِيره وَصَدِيقه وَخَلِيفَته أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَقَدْ مَالَ الدِّين مَيْلَة كَادَ أَنْ يَنْجَفِل فَثَبَّتَهُ اللَّه تَعَالَى بِهِ فَوَطَّدَ الْقَوَاعِد وَثَبَّتَ الدَّعَائِم وَرَدَّ شَارِد الدِّين وَهُوَ رَاغِم وَرَدَّ أَهْل الرِّدَّة إِلَى الْإِسْلَام وَأَخَذَ الزَّكَاة مِمَّنْ مَنَعَهَا مِنْ الطُّغَاة وَبَيَّنَ الْحَقّ لِمَنْ جَهِلَهُ . وَأَدَّى عَنْ الرَّسُول مَا حَمَلَهُ ثُمَّ شَرَعَ فِي تَجْهِيز الْجُيُوش الْإِسْلَامِيَّة إِلَى الرُّوم عَبَدَة الصُّلْبَانِ وَإِلَى الْفُرْس عَبَدَة النِّيرَان فَفَتَحَ اللَّه بِبَرَكَةِ سِفَارَته الْبِلَاد وَأَرْغَمَ أَنْف كِسْرَى وَقَيْصَر وَمَنْ أَطَاعَهُمَا مِنْ الْعِبَاد وَأَنْفَقَ كُنُوزهمَا فِي سَبِيل اللَّه كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُول اللَّه وَكَانَ تَمَام الْأَمْر عَلَى يَدَيْ وَصِيّه مِنْ بَعْده وَوَلِيّ عَهْده الْفَارُوق الْأَوَّاب شَهِيد الْمِحْرَاب أَبِي حَفْص عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَأَرْغَمَ اللَّه بِهِ أُنُوف الْكَفَرَة الْمُلْحِدِينَ وَقَمَعَ الطُّغَاة وَالْمُنَافِقِينَ وَاسْتَوْلَى عَلَى الْمَمَالِك شَرْقًا وَغَرْبًا . وَحُمِلَتْ إِلَيْهِ خَزَائِن الْأَمْوَال مِنْ سَائِر الْأَقَالِيم بُعْدًا وَقُرْبًا . فَفَرَّقَهَا عَلَى الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَالسَّبِيل الْمَرَضِيّ . ثُمَّ لَمَّا مَاتَ شَهِيدًا , وَقَدْ عَاشَ حَمِيدًا أَجْمَع الصَّحَابَة مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار عَلَى خِلَافَة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ شَهِيد الدَّار فَكَسَى الْإِسْلَام رِيَاسَة حُلَّة سَابِغَة وَامْتَدَّتْ الدَّعْوَة فِي سَائِر الْأَقَالِيم عَلَى رِقَاب الْعِبَاد حُجَّة اللَّه الْبَالِغَة . فَظَهَرَ الْإِسْلَام فِي مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا وَعَلَتْ كَلِمَة اللَّه وَظَهَرَ دِينه وَبَلَغَتْ الْمِلَّة الْحَنِيفِيَّة مِنْ أَعْدَاء اللَّه غَايَة مَآرِبهَا وَكُلَّمَا عَلَوْا أُمَّة اِنْتَقَلُوا إِلَى مَنْ بَعْدهمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ مِنْ الْعُتَاة الْفُجَّار اِمْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّار " وَقَوْله تَعَالَى " وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَة " أَيْ وَلْيَجِدْ الْكُفَّار مِنْكُمْ غِلْظَة عَلَيْهِمْ فِي قِتَالكُمْ لَهُمْ فَإِنَّ الْمُؤْمِن الْكَامِل هُوَ الَّذِي يَكُون رَفِيقًا لِأَخِيهِ الْمُؤْمِن غَلِيظًا عَلَى عَدُوّهُ الْكَافِر كَقَوْلِهِ تَعَالَى " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّه بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ " فَقَوْله تَعَالَى " مُحَمَّد رَسُول اللَّه وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّار رُحَمَاء بَيْنهمْ " وَقَالَ تَعَالَى " يَا أَيّهَا النَّبِيّ جَاهِدْ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ " وَفِي الْحَدِيث أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَنَا الضَّحُوك الْقَتَّال " يَعْنِي أَنَّهُ ضَحُوك فِي وَجْه وَلِيّه قَتَّال لِهَامَةِ عَدُوّهُ وَقَوْله " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ " أَيْ قَاتِلُوا الْكُفَّار وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَكُمْ إِذَا اِتَّقَيْتُمُوهُ وَأَطَعْتُمُوهُ وَهَكَذَا الْأَمْر لَمَّا كَانَتْ الْقُرُون الثَّلَاثَة الَّذِينَ هُمْ خَيْر هَذِهِ الْأُمَّة فِي غَايَة الِاسْتِقَامَة وَالْقِيَام بِطَاعَةِ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَزَالُوا ظَاهِرِينَ عَلَى عَدُوّهُمْ , وَلَمْ تَزَلْ الْفُتُوحَات كَثِيرَة وَلَمْ تَزَلْ الْأَعْدَاء فِي سَفَال وَخَسَار ثُمَّ لَمَّا وَقَعَتْ الْفِتَن وَالْأَهْوَاء وَالِاخْتِلَافَات بَيْن الْمُلُوك طَمِعَ الْأَعْدَاء فِي أَطْرَاف الْبِلَاد وَتَقَدَّمُوا إِلَيْهَا فَلَمْ يُمَانَعُوا لِشَغْلِ الْمُلُوك بَعْضهمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ تَقَدَّمُوا إِلَى حَوْزَة الْإِسْلَام فَأَخَذُوا مِنْ الْأَطْرَاف بُلْدَانًا كَثِيرَة ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا حَتَّى اِسْتَحْوَذُوا عَلَى كَثِير مِنْ بِلَاد الْإِسْلَام وَلِلَّهِ الْأَمْر مِنْ قَبْل وَمِنْ بَعْد ; فَكُلَّمَا قَامَ مَلِك مِنْ مُلُوك الْإِسْلَام وَأَطَاعَ أَوَامِر اللَّه وَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّه فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الْبِلَاد وَاسْتَرْجَعَ مِنْ الْأَعْدَاء بِحَسَبِهِ وَبِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ وِلَايَة اللَّه وَاَللَّه الْمَسْئُول الْمَأْمُول أَنْ يُمَكِّن الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاصِي أَعْدَائِهِ الْكَافِرِينَ وَأَنْ يُعْلِي كَلِمَتهمْ فِي سَائِر الْأَقَالِيم إِنَّهُ جَوَاد كَرِيم .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • زينة المرأة المسلمة

    زينة المرأة المسلمة: رسالة قيمة تحمل قضية من أهم القضايا المعاصرة وتعالج ركنا من أركانها وهي قضية المرأة ولباسها وزينتها، وفيها أيضا إيضاح لمعايير الضبط والانضباط في اللباس والزينة، وغايتها مستمدة من غاية دين الله في إقامة مجتمع طاهر، الخلق سياجه، والعفة طابعه.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2056

    التحميل:

  • القرآن المذهل [ القرآن المعجز ]

    القرآن المذهل: ليس المسلمون وحدهم من أطلق على القرآن الكريم أنه رائع ومدهش، وهم فقط الذين يُقدِّرون هذا الكتاب ويُجلُّونه، في الحقيقة فقد أطلق عليه غير المسلمين هذه الصفة، وحتى من أناس يكرهون الإسلام كراهية كبيرة، ما زالوا يُطلقون عليه هذه الصفة. ومن هؤلاء: أستاذ اللاهوت وعالم الرياضيات الدكتور «جاري ميلر»; إذ أسلم بسبب نظره في القرآن بقصد إخراج الأخطاء منه، فاندهش وانبهر بما فيه من عجائب. وفي هذه الصفحة الترجمة العربية لهذه الرسالة، مع ترجمتها بعدة لغات عالمية أخرى.

    الناشر: موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/323931

    التحميل:

  • الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين

    الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين: ألَّفَ العديدُ من أهل العلم في القديم والحديث كثيرًا من الكتب حول الصحيحين؛ ومن هذه الكتب المتأخرة: «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»، وقد رأى المؤلِّف - رحمه الله - أن يُخرجه على الأبواب الفقهية، فربما لا يستفيدُ من الأصلِ إلا المُتخصِّصون في علمِ الحديثِ، وأما المُرتَّب على الأبواب الفقهية يستفيدُ منه المُتخصِّصُ وغيرُه. وقد انتهَجَ المؤلفُ - رحمه الله - فيه نهجَ الإمام البخاري - رحمه الله - في «صحيحه» من حيث ترتيب الكتب والأبواب وتكرار الأحاديث عند الحاجةِ لذلك.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/380514

    التحميل:

  • مفسدات القلوب [ الترف ]

    الترف مفسد للمجتمعات; وموهن للطاقات; ومبدد للأوقات; فهو داء مفجع; ومرض مقلق; ولذا كان لزاماً علينا تناول هذا الموضوع بوضوح; وتجليته للناس; وذلك ببيان حقيقة الترف; وصوره المعاصرة; وبعضاً من أسبابه; وآثاراه على الفرد والمجتمع والأمة; ثم بيان وسائل وطرق معالجة المجتمعات التي استشرى فيها هذا الداء.

    الناشر: موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/340012

    التحميل:

  • تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب وفقد ثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد في ضوء الكتاب والسنة

    تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب وفقد ثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنِّف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في: «تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب وفقد ثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد» كتبتُ أصلها في يوم 21 - 7 - 1417 هـ عندما فقدَ بعض الإخوة الأحباب بعض أولاده، .. وقد جمعتُ فيها بعض الآيات والأحاديث وأرسلتها إليه؛ لتبرِّد حرّ مصيبته ويحتسب ويصبر، ثم كنت بعد ذلك أرسلها إلى كل من بلغني أنه مات له أحد من أولاده في مناسبات عديدة - ولله الحمد -، ثم تكرَّرت المناسبات العِظام في الابتلاء والمحن، والمصائب الجسيمة، لكثير من الأحباب - جَبَرَ الله مصيبة كل مسلم مصاب -، فرأيتُ أن أضيف إليها بعض الآيات والأحاديث؛ ليبرِّد بها كل مسلم مصاب حرارة مصيبته، وخاصة من أصيب بثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1940

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة