Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة آل عمران - الآية 103

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) (آل عمران) mp3
قَوْله تَعَالَى " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا " قِيلَ " بِحَبْلِ اللَّه " أَيْ بِعَهْدِ اللَّه كَمَا قَالَ فِي الْآيَة بَعْدهَا " ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس " أَيْ بِعَهْدٍ وَذِمَّة وَقِيلَ " بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه " يَعْنِي الْقُرْآن كَمَا فِي حَدِيث الْحَارِث الْأَعْوَر عَنْ عَلِيّ مَرْفُوعًا فِي صِفَة الْقُرْآن " هُوَ حَبْل اللَّه الْمَتِين وَصِرَاطه الْمُسْتَقِيم " . وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيث خَاصّ بِهَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ الْإِمَام الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ : حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ حَدَّثَنَا أَسْبَاط بْن مُحَمَّد عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن سُلَيْمَان الْعَزْرَمِيّ عَنْ عَطِيَّة عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كِتَاب اللَّه هُوَ حَبْل اللَّه الْمَمْدُود مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض " . وَرَوَى اِبْن مَرْدُوَيه مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم بْن مُسْلِم الْهَجَرِيّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَص عَنْ عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ هَذَا الْقُرْآن هُوَ حَبْل اللَّه الْمَتِين وَهُوَ النُّور الْمُبِين وَهُوَ الشِّفَاء النَّافِع عِصْمَة لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَنَجَاة لِمَنْ اِتَّبَعَهُ " وَرَوَى مِنْ حَدِيث حُذَيْفَة وَزَيْد بْن أَرْقَم نَحْو ذَلِكَ وَقَالَ وَكِيع حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ أَبِي وَائِل قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : إِنَّ هَذَا الصِّرَاط مُحْتَضَر يَحْضُرهُ الشَّيَاطِين : يَا أَبَا عَبْد اللَّه هَذَا الطَّرِيق هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيق فَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه فَإِنَّ حَبْل اللَّه الْقُرْآن . وَقَوْله " وَلَا تَفَرَّقُوا " أَمَرَهُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَنَهَاهُمْ عَنْ التَّفْرِقَة . وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيث الْمُتَعَدِّدَة بِالنَّهْيِ عَنْ التَّفَرُّق وَالْأَمْر بِالِاجْتِمَاعِ وَالِائْتِلَاف كَمَا فِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ اللَّه يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَسْخَط لَكُمْ ثَلَاثًا يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّه أَمْرَكُمْ وَيَسْخَط لَكُمْ ثَلَاثًا : قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَة السُّؤَال وَإِضَاعَة الْمَال " وَقَدْ ضَمِنْت لَهُمْ الْعِصْمَة عِنْد اِتِّفَاقهمْ مِنْ الْخَطَأ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيث الْمُتَعَدِّدَة أَيْضًا . وَخِيفَ عَلَيْهِمْ الِافْتِرَاق وَالِاخْتِلَاف فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأُمَّة فَافْتَرَقُوا عَلَى ثَلَاث وَسَبْعِينَ فِرْقَة مِنْهَا فِرْقَة نَاجِيَة إِلَى الْجَنَّة وَمُسْلِمَة مِنْ عَذَاب النَّار وَهُمْ الَّذِينَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه . وَقَوْله تَعَالَى " وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " إِلَى آخِر الْآيَة وَهَذَا السِّيَاق فِي شَأْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنهمْ حُرُوب كَثِيرَة فِي الْجَاهِلِيّ وَعَدَاوَة شَدِيدَة وَضَغَائِن وَإِحَن وَذُحُول طَالَ بِسَبَبِهَا قِتَالهمْ وَالْوَقَائِع بَيْنهمْ فَلَمَّا جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ فَدَخَلَ فِيهِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ صَارُوا إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ بِجَلَالِ اللَّه مُتَوَاصِلِينَ فِي ذَات اللَّه مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى قَالَ اللَّه تَعَالَى " هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبهمْ لَوْ أَنْفَقْت مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مَا أَلَّفْت بَيْن قُلُوبهمْ وَلَكِنَّ اللَّه أَلَّفَ بَيْنهمْ " إِلَى آخِر الْآيَة وَكَانُوا عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار بِسَبَبِ كُفْرهمْ فَأَنْقَذَهُمْ اللَّه مِنْهَا أَنْ هَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ. وَقَدْ اِمْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم قَسَمَ غَنَائِم حُنَيْن فَعَتَبَ مَنْ عَتَبَ مِنْهُمْ بِمَا فَضَّلَ عَلَيْهِمْ فِي الْقِسْمَة بِمَا أَرَاهُ اللَّه فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ " يَا مَعْشَر الْأَنْصَار أَلَمْ أَجِدكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّه بِي وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّه بِي وَعَالَة فَأَغْنَاكُمْ اللَّه بِي ؟ " فَكُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَمَنَّ . وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَق بْن يَسَار وَغَيْره : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي شَأْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج. وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُود مَرَّ بِمَلَإٍ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج فَسَاءَهُ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الِاتِّفَاق وَالْأُلْفَة فَبَعَثَ رَجُلًا مَعَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِس بَيْنهمْ وَيَذْكُر لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ حُرُوبهمْ يَوْم بُعَاث وَتِلْكَ الْحُرُوب فَفَعَلَ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبه حَتَّى حَمِيَتْ نُفُوس الْقَوْم وَغَضِبَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض وَتَثَاوَرُوا وَنَادَوْا بِشِعَارِهِمْ وَطَلَبُوا أَسْلِحَتهمْ وَتَوَاعَدُوا إِلَى الْحَرَّة فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فَأَتَاهُمْ فَجَعَلَ يُسَكِّنهُمْ وَيَقُول " أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَأَنَا بَيْن أَظْهُركُمْ ؟ " وَتَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَة فَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ فَاصْطَلَحُوا وَتَعَانَقُوا وَأَلْقَوْا السِّلَاح رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَذَكَرَ عِكْرِمَة أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِيهِمْ حِين تَثَاوَرُوا فِي قَضِيَّة الْإِفْك وَاَللَّه أَعْلَم .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • أعمال القلوب [ التوكل ]

    التوكل على الله; وصدق الإلتجاء إليه; والاعتماد بالقلب عليه; هو خلاصة التفريد; ونهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف من المحبة والخوف والرجاء والرضا بالله رباً وإلهاً والرضا بقضائه; بل ربما أوصل التوكل بالعبد إلى التلذذ بالبلاء وعدّه من النعماء; فسبحان من يتفضل على من يشاء بما يشاء; والله ذو الفضل العظيم.

    الناشر: موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/340025

    التحميل:

  • القول السديد في سيرة الحسين الشهيد رضي الله عنه

    القول السديد في سيرة الحسين الشهيد رضي الله عنه: تتناول هذه الرسالة التعريف بالحسين بن علي - رضي الله عنهما - مع تناول فقه المعارضة عنده.

    الناشر: مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/329274

    التحميل:

  • كشف الشبهات في التوحيد

    كشف الشبهات: رسالة نفيسة كتبها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وهي عبارة عن سلسلة شبهات للمشركين وتفنيدها وإبطالها، وفيها بيان توحيد العبادة وتوحيد الألوهية الذي هو حق الله على العباد، وفيها بيان الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية والعبادة.

    الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1875

    التحميل:

  • مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة

    مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة: أسئلة أجاب عنها الشيخ تتعلق بالمرأة المسلمة (اللباس، الصلاة، ... إلخ).

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1981

    التحميل:

  • الدرر من صحيح فضائل الآيات والسور

    الدرر من صحيح فضائل الآيات والسور: كتابٌ جامعٌ لما ثبت من فضائل سور القرآن وآياته، حاول المؤلف فيه جمع كل ما وقف عليه من الصحيح في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الإشارة إلى مصدرها اختصارًا.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/272776

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة